وسجل مصور محترف تلك اللحظة على شاطئ مشمس، حيث يظهر فندق برج العرب الشهير في خلفية الصورة.
تستعد ليجيا وروبرت، بعد قضاء 10 سنوات في المدينة التي التقيا فيها ووقعا في الحب، وبدءا تأسيس عائلتهما، لتوديع دبي.
كان كل منهما يعمل في مجال السفر، لكنهما فقدا وظيفتيهما بسبب التبعات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا.
ولم يتمكنا من العثور على أي فرص عمل جديدة، على الرغم من بذل قصارى جهدهما، وأجبرهما هذا الوضع على اتخاذ قرار صعب بالعودة إلى وطنهما - البرازيل.
وتقول ليجيا: "كنا دائما نتخيل أن ابنتنا ستكبر هنا. لكن ليس لدينا أي دخل. فلا يمكننا العيش هنا".
إنه خيار يواجهه عشرات الآلاف من العمال المهاجرين في جميع أنحاء دولة الإمارات.
لقد أمضى الكثير منهم عقودا في البلاد، ومع عدم وجود سبيل رسمي للحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة، أو توفر مزايا للرعاية الاجتماعية للتغلب على الأوقات الصعبة، فلا يملك معظمهم خيارا إلا المغادرة.
وقد تفقد الإمارات، بحسب تقديرات شركة أكسفورد إيكونوميكس، وهي شركة استشارية يوجد مقرها في بريطانيا، 900 ألف وظيفة من بين السكان الذين يقترب عددهم من 10 ملايين نسمة، ويعني هذا أن حوالي 10 في المئة من سكانها قد ينزحون من ديارهم.
ولم تؤثر أزمة فيروس كورونا في المهنيين المؤهلين فقط، بل طالت أيضا العمال الصغار، الذين يشكلون الجزء الأكبر من القوة العاملة.
وفي الشهر الماضي عاد مؤمن من الإمارات إلى بنغلاديش، بعد أن عمل في مجال التعمير والبناء لمدة ثماني سنوات.
فقد توقف المشروع الذي كان يعمل فيه في مارس/آذار، عندما أعلنت الإمارات عن أول حالة وفاة بسبب مرض كوفيد-19.
وبعد شهر واحد، أُبلغ مؤمن وزملاؤه الآخرون أن صاحب العمل لن يستطيع دفع رواتبهم ولكنه سيسمح لهم بالاستمرار في العيش في غرف توفرها الشركة في معسكر للعمال إلى أن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم.
ويقول مؤمن: "كنت المعيل الوحيد لأسرتي. ومن الصعب جدًا العثور على وظيفة هنا في بنغلاديش بسبب الوباء".
الاقتصاد في الإمارات
يعتمد النموذج الاقتصادي لدولة الإمارات على وجود المقيمين الأجانب، الذين يشكلون حاليا حوالي 90 في المئة من السكان.
ومن بين الإمارات السبع التي تشكل تلك الدولة الخليجية، يعتمد اقتصاد دبي بشكل كبير على قطاعات قائمة على الإنفاق الاستهلاكي، مثل الضيافة، وتجارة التجزئة الفاخرة، والتعليم، والسفر.
ولا تتوقع كارين يونغ، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط في معهد أمريكان إنتربرايز الذي يوجد مقره في الولايات المتحدة، أن يتغير الوضع في الإمارات قريبا، إذ تُظهر معظم استطلاعات الأعمال أن الشركات هناك لا تستوظف أي أحد على الإطلاق، مع تدني مستويات التوظيف بصفة عامة.
وتقول: "الأشهر التسعة إلى 12 القادمة ستكون فترة تراجع. ومن المحتمل أن نستمر في رؤية الناس يغادرون البلاد، حيث لن يكون هناك كثير من فرص العمل الجديدة".
وعلى عكس الإمارات، يشجع عدد من دول الخليج العمال المهاجرين على المغادرة.
ففي يوليو/تموز، وافق مجلس الأمة الكويتي على مشروع قانون يهدف إلى تقليص وجودهم، باقتراح حدود قصوى لكل جنسية.
ويشكل الوافدون 70 في المئة من عدد سكان الكويت، لكن الحكومة تريد تخفيض تلك النسبة إلى 30 في المئة.
وشهد شهر يوليو/تموز أيضا أمرا للحكومة العمانية للشركات المملوكة للدولة باستبدال مواطنين عمانيين ليحلوا محل الموظفين الأجانب.
أدى العمال الأجانب لعقود دورا رئيسيا في بناء اقتصادات دول الخليج، بتوفير القوى العاملة للقطاعات الرئيسية.
وتستضيف الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وهي الإمارات، والكويت، وسلطنة عمان، إلى جانب البحرين، والسعودية وقطر، أغلبية من العمال المهاجرين، الذين يعيشون في الدول العربية تبلغ 23 مليون شخص، وفقا لتقديرات منظمة العمل الدولية. ومعظم هؤلاء العمال من آسيا.
ويتوقع صندوق النقد الدولي دخول منطقة الشرق الأوسط مرحلة انكماش اقتصادي هذا العام، أسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية في عامي 2008-2009، بسبب فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط بشكل قياسي.
وتستغل بعض دول الخليج هذه الأزمة لإعادة ضبط نماذجها الاقتصادية من خلال تقليل اعتمادها على العمالة الأجنبية.
وتقول كارين يونغ: "في دول مثل السعودية وسلطنة عمان والكويت، سنرى المزيد من المواطنين يشغلون وظائف في القطاع الخاص، وسيكون هذا تحولا كبيرا للبنية الاجتماعية الموجودة منذ عقود".
وتحتاج الإمارات، على عكس نظيراتها في المنطقة، إلى جذب المغتربين والسياح لإنعاش النمو الاقتصادي المحلي.
واتخذت دبي الشهر الماضي خطوة نحو هذا الهدف من خلال الإعلان عن "برنامج تأشيرة المتقاعدين" للأجانب من أصحاب الثروات العالية ممن تجاوزوا سن 55. وسيكون هؤلاء مؤهلين للحصول على تأشيرة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد إذا استوفوا معايير معينة.
وليس هذا خيارا لليجيا في الوقت الحالي، وآلاف آخرين ممن لا يندرجون تحت هذه الفئة. لكنها تأمل في أن تتمكن أسرتها يوما ما من العودة عندما تتحسن البيئة الاقتصادية.
وتقول: "كان هذا وطننا. وأود أن أعود".